بمناسبة ذکری الثانیة و الثلاثین من انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران
الأخلاق عند الامام الخميني قدس سره الشریف
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخلاق عند الامام الخميني
الاسلام منهج شامل و دين کامل ، يأخذ بنظر الاعتبار أبعاد الحياة الشخصية للافراد فضلاً عن تنظيم علاقات إجتماعية سلمية . و من الواضح أن معظم تعاليم الاسلام ، حتی تلک التي تتناول الاحکام العبادية و تنظيم علاقة الانسان بربّه ، ذات توجهات اجتماعية .
فالسلوکيات المحددة للافراد ، و علی الرغم من أنها تترک تأثيرها المباشر علی روحية الاشخاص و نفسياتهم في المرحلة الاولی ، إلّا أنها تتجاوز في النهاية حدود الافراد لتنتقل الی المجتمع . ذلک أن الخصال الشخصية و الأخلاق الفردية التي تتجلی في سلوک أفراد المجتمع ، تحاول أن تحطم الحصار الشخصي و النفوذ الی البنية الاجتماعية و الانتقال بکل سهولة من شخص الی آخر و اقتحام القلوب و التربع فيها .
و أن هذا النوع من التأثيرات الوجدانية ليس بحاجة الی مقدمات نظرية شاقة و لا الی تمهيد الارضية لها . و هذا يعني أن هذه الخصال عندما تبرز عند احد اعضاء المجموعة ، سرعان ما تتجسد في تصرفاته و سلوکه الخارجي ، و تتجلی في علاقته مع الآخرين في اول فرصة .
الامام الخميني الذي کرّس کل طاقاته و قدراته الفکرية ، بصفته عالماً بالاسلام و مفکراً مصلحاً ، للتعرف علی نواقص المجتمع الاسلامي لا سيما ايران ، و محاولة اصلاح العلاقات الاجتماعية في ضوء تعاليم الاسلام الاصيلة ، تحظی الأخلاق بالنسبة له بأهمية خاصة في نظام السلوک الفردي و الاجتماعي .
و بصفته وارث مدرسة الانبياء ، أن جانباً کبيراً من نجاحات الامام الخميني رهن شخصيته الأخلاقية و سيرته العملية . و بطبيعة الحال لابد من الاشارة هنا الی أن الممارسة العملية للاخلاق الحسنة علی مستو متقدم و في نطاق واسع من القضايا الاجتماعية ، تستمد وجودها من العلم و الايمان ، فضلاً عن أن جذورها الاولی تمتد الی فطرة الانسان و طبعه .
ولهذا کان الامام الخميني ( قدس سره ) يولي أهمية فائقة لمؤلفاته الاخلاقية أکثر من غيرها . وبشکل عام يمکن تقسيم آثار سماحته الأخلاقية الی فکرية و أخری عملية . فالآثار الفکرية عبارة عن الموضوعات التي تناولها سماحته في مؤلفاته و خطاباته بمثابة بحوث عرفانية و ارشادات و توجيهات أخلاقية . أما الآثار العملية فهي تلک التي تجلت في المواقف و التصريحات التي صدرت عن الامام اثناء نشاطاته الاجتماعية و السياسية ، و التي تجسد مفاهيم أخلاقية . و کما هو واضح أن کل واحد من هاذين الجانبين بدرجة من الاتساع و الشمول يتعذر تناولهما بالبحت و الاستقراء في آن واحد .
کذلک تمتاز الافکار و الاساليب الاخلاقية للامام الخميني بسمات قيمة أخری ، منها أنها تختزن ملاحظات بارزة و فريدة ، لأن عنصر الاخلاق في تعاليم الامام الخميني يستمد فحواه من الکلام الالهي المقدس اولاً ، و يتأثر بالمفاهيم القرآنية الی حد کبير . و بشکل عام کانت مفاهيم القرآن المجيد و الکلام الملکوتي للائمة المعصومين ، بمثابة النبع الصافي الذي ارتوی منه الامام و زاد من تفتح روحه و سموها .
يعتمد الامام الخميني التجربة و المجاهدة و الرياضة و التعبد ، فضلاً عن تعاليم و مناهج السير و السلوک . و تتسم هذه التعاليم بغناها و ثراها بدءً من الموعظة و المناجاة و انتهاءً بالعبارات الموجزة و البليغة .. وتعتبر الاخلاق العرفانية سمة المنهج الاخلاقي عند الامام الخميني .. الاخلاق التي يعمل الامام علی تدريسها ، و يتناولها في مؤلفاته و تصريحاته ، والتي تشکل مقدمة بلوغ العرفان بصورة تلقائية .
فيما يلي نشير باختصار الی المنهج الأخلاقي عند الامام الخميني و أبرز خصائصه :
اولاً : الشمولية
من خصائص المنهج الاخلاقي عند الامام الخميني ، أن سماحته يعتمد الشمولية في عرض المسائل الاخلاقية و التربوبة و الفکرية .. و يؤمن الامام بأن الاسلام دين جامع و شامل ، و ان الانسان موجود متعدد الأبعاد . و في نهجة الاخلاقي يولي سماحته اهتماماً بمختلف ابعاد وجود الانسان ، و يأسف بشدة للذين يهتمون بأحد أبعاد وجود الانسان و يتجاهلون الأبعاد الأخری ، و تصوير الانسان بأنه موجود حافل بالمتناقضات :
" الاسلام يمتلک کل شيء .. الاسلام جاء لبناء الانسان ، لأن الانسان هو کل شيء.. الانسان هو العالم کلّه . و الذي يهتم ببناء الانسان و تربيته ينبغي له أن ينظر الی العالم من هذا المنطلق کي يتسنی له السمو بهذا الانسان في مدارج الکمال"
( صحيفة الامام _ ج8 _ ص 530 ) .
ثانياً _ البساطة و العفوية
من الخصائص الأخری للمنهج الاخلاقي عند الامام الخميني ، البساطة و العفوية في بيان المفاهيم الاخلاقية . إذ يتصور البعض أن استخدام ألفاظ و مصطلحات غامضة ، دليل علی المنزلة العلمية ، و بالتالي ينظر الی استخدام الاساليب السلسة و البسيطة بمثابة ضعف و عجز .
بيد أن الامام و علی الرغم من أن سماحته کان يضطلع بمسؤولية المرجعية العامة و المطلقة ، و کان يتولی مسؤولية قيادة الثورة ، إلّا أنه و من خلال تأسيه بالقرآن المجيد و الاستعانة باسلوب البلاغ المبين ، و تجاهله اوهام ، کان يعتمد نهج الانبياء الالهيين ، و يجعل من اللغة المتداولة بين الناس هي المعيار و الملاک .
کان الامام يحرص کثيراً علی الأخذ بنظر الاعتبار مدی استيعاب مخاطبيه و قدراتهم علی الوعي و الفهم ، و لم يحاول تصديع اوقاتهم بالغموض و التصنع .. ان المؤلفات الاخلاقية لسماحة الامام منزهة من آفة التصنع ، و ان بساطة و سلاسة هذه الآثار بشکل تعتمد الوضوح في تحقيق رسالتها ، حتی أن المخاطب و المتلقي لايحتاج الی کثير جهد لفهمها و استيعابها . فالقاریء لم يصاب بالاعياء ، و المستمع لا يعاني من الغموض و الابهام في فهم و ادراک المفاهيم و المقولات الاخلاقية لسماحة الامام ، لأن المخاطب يدرک جوهر الموضوع بوحي من وعيه و مؤهلاته .
و مما يجدر ذکره ، أن البساطة التي تتسم بها التعاليم الاخلاقية لدی سماحة الامام ، لاتقلل من ثراء فحواها و مضامينها . و کونها بعيدة عن الغموض و التصنع ، لا يعني أنها سطحية و مهملة . بل أن التعاليم الاخلاقية لسماحة الامام حافلة بالافکار و المفاهيم التربوية شأنها شأن آثار سماحته الأخری .
ان ما في أيدينا من مواعظ و وصايا و ارشادات لهذا العزيز ، تحفل بالموعظة و النصيحة و الدليل و البرهان ، و البصيرة ، و السياسة ، و الحکمة ، و المعاش و المعاد و عقيدة الجهاد .
و من واضح أن الآثار الاخلاقية لسماحة الامام تفند التصور الخاطیء من أن المواعظ الأخلاقية عادة ما تکون لغتها جافة و صارمة ، و أنها لا تدع مجالاً للبحث و التفکير . إذ نجد الامام في مؤلفاته النفيسة امثال ( الاربعين حديثاً ) ، ( آداب الصلاة ) ، ( الجهاد الأکبر) ، ( أسرار الصلاة ) ، ( شرح حديث جنود العقل و الجهل ) ... الخ ، نجده يصور بمهارة فائقة مقامات و منازل السير و السلوک ، و آداب حضور القلب و الاخلاق ، و اصول الفضائل الاخلاقية و جذور الکثير من الرذائل النفسية التي تهدد ارکان المعارف الدينية السامية ، فضلاً عن أن سماحته يتقصد تناول الموضوع بشکل مباشر و من دون مقدمات غير ضرورية .
ثالثاً _ التفاؤل و نبذ اليأس
ان مَن يحمل علی عاتقه مسؤولية تعليم الانسان ، يجب أن يتمتع بالمهارة و الکفاءة التي تؤهله لأداء مسؤولية التبليغ و الدعوة بکل لياقة و لباقة . و لا شک في أن تعاليم الامام الخميني الاخلاقية بعيدة کل البعد عن روحية التقاعس و اليأس و العجز ، بل تتطلع الی بناء إنسان مفعم بالتفاؤل و يحرص علی المثابرة . لأنه ( قدس سرّه ) لم يقنط من رحمة الله ، و لم ير نفسه في مأمن من العذاب الإلهي ، و لم ييأس من عفو الله و مغفرته . و قد ورد في اقوال ائمة الدين ، بأن عاشروا العالم الذي يحذرکم الکبر و الغرور ، و يدعوکم الی التواضع ، و يأخذ بأيدکم من الشک الی اليقين ، و من حب الدنيا الی الزهد ، و من العداوة الی حب الخير . و ليس بوسع أحد بلوغ هذا المقام ما لم يحذر هذه الآفات بصدق .
رابعاً _ الواقعية و اجتناب المبالغة
من الخصائص الأخری للمنهج الاخلاقي عند الامام الخنيني ، الواقعية و أجتناب المبالغة . و کما هو واضح أن سماحة الامام کان يهتم کثيراً بمستوی وعي المتلقي و ادراکه ، وکان دقيقاً و واقعياً في عرض التعاليم الاخلاقية و التربوية ، و کان يعرض أبحاثه بشکل مدروس و بمايتناسب مع التوجه الفکري و الروحي للمتلقي . و کان يقدّم الموعظة و النصيحة لکل فئة بما ينسجم مع مستوی تفکيرها و وعيها ، و لم يکن يزج بالافکار المعنوية السامية دون مناسبة . و لم يحاول المزج بين الافکار الهامشية و المواضيع المعمقة .
و من السمات القيمة التي امتازت بها مواعظ الامام و نصائحه الاخلاقية ، أنها تنظر الی الواقع و تأخذ طبيعة المتلقي بنظر الاعتبار ، خاصة بالنسبة للتجمعات و المحافل العامة ، حيث ثمة ملاحظات اجتماعية ثقافية و سياسية لابد من أخذها بنظر الاعتبار ، و بالتالي ضرورة اجتناب اثارة الموضوعات التي بحاجة الی تبرير و تأويل تلافياً للغموض و الابهام .
خامساً _ الاهتمام بالأصول الأخلاقية لا الفروع
من خصائص المنهج الأخلاقي عند سماحة الامام ، الاهتمام بمبادیء الاخلاق و أرکانها . إذ يحاول سماحته البحث ،کالاستاذ المحنک، عن جذور المفاسد و الانحرافات النفسية و تحديد مواضع کل واحدة منها في نفس الانسان . و يحرص سماحته علی الکشف عن جذور المخالفات و الانحرافات ، و يحذر دائماً من أن الأنانية تعتبر أم الرذائل ، و يدعو الانسانية الی الصدق و الاخلاص اللذين يعتبران غاية الکرامات و أمهات الفضائل .
سادساً – محورية الاخلاق في فکر الامام الخميني
تعتبر المؤهلات الاخلاقية من وجهة نظر الامام الخميني ، أفضل اللياقات و غايتها . و يعد تهذيب النفس أساس التوجهات الفردية و الاجتماعية بدءً من الحياة الشخصية و انتهاء ً بالعلاقات الأسرية و الاجتماعية ، حتی الموازين الاقليمية و الدولية ينبغي أن يتم استلهامها من الاصول و المبادیء الاخلاقية . و کان سماحة الامام يؤمن بأن التزکية و الخروج من الظلمات الی النور ، تشکل هدف البعثة و غايتها . و کان يؤکد دائماً في تصريحاته و کتاباته ، بأن الانبياء بعثوا من أجل بناء الانسان و تربيته ، وکان يقول ( قدس سره ) : " الانسان هو موضع بحث و إهتمام الانبياء کافة . " ( صحيفة الامام ، ج 8 ، ص 324 ) .
کان سماحته ينظر الی الانسان من منطلق التوحيد ، و کان يؤمن بأنه ليس بوسع أية حکومة أو نظام تربية الانسان بمعزل عن نهج الانبياء الالهيين ، لأن رؤية هذه الانظمة و نهجها مادي بحت ، غير أن الانسان موجود ذو ابعاد مادية و معنوية . و أن الذي بوسعه أن يتعهد تربية الانسان و تزکيته ، انما هو الذي يحيط بوجود الانسان و يعي ابعاده کافة. و هذه الخصيصة لا تجدها إلا في نهج الانبياء الالهيين فحسب : " الانبياء ينشدون تربية إنسان لا تختلف خلوته عن علانيته . " ( صحيفة الامام ، ج 8 ، ص 416 ) .
فکما أنه لا يرتکب ذنباً في وضح النهار ، کذلک يتجنب الذنوب في الخفاء و الغياب . و عليه يمکن القول أن کل المتاعب و المعاناة التي واجهها الانبياء و الربانيون علی مرّ التاريخ ، إنما کانت من أجل تزکية الانسان و تهذيبه :
" الاسلام جاء اساساً من أجل البناء ... بناء الانسان لنفسه يحضی بالاولوية مقارنة بجميع المجاهدات .. أنه جهاد عظيم ، و أن کل المشاکل و کل الفضائل تکمن في هذا الجهاد " . ( صحيفة الامام ، ج 8 ، ص 300 ) .
لهذا کله تشکل الأخلاق جوهر فکر الامام الخميني ، و لذا تری سماحته يؤکد علی إصلاح الذات قبل إصلاح الآخرين ، و يعتبر ذلک بمثابة أصل مبدئي .
14:35 - 29/01/2011 / الرقم : 559382 / عرض التعداد : 803